أسامة داود يكتب : نتائج أعمال العامة للبترول وثيقة إدانة لسياسات مالية ظالمة

أسامة داود يكتب : نتائج أعمال العامة للبترول وثيقة إدانة لسياسات مالية ظالمة

جذب الاستثمارات لا يكون ببيع الأصول القائمة أو إسناد حقول منتجة لمستثمرين

صافى الربح المعلن ليس سوى "إنجاز ورقى" يُخفى وراءه واقعًا مريرًا

الأرقام جرس إنذار بما يهدد الشركة الأعرق تحت شعار جذب الاستثمارات

الميزانية وثيقة إدانة لسياسات مالية جعلت الشركة تخسر فى كل برميل محلي

فى ظاهر الأمر تبدو نتائج أعمال الشركة العامة للبترول عن العام المالى 2024/2025 مبشرة، إذ تُظهر الميزانية تحقيق صافى ربح بعد الضرائب بلغ 685 مليون جنيه، بزيادة قدرها 85 مليون جنيه، أى بنسبة 11% عن المخطط.

للوهلة الأولى قد يُصوَّر هذا الرقم كإنجاز، غير أن التمعن فى تفاصيل الأرقام يكشف أن ما يبدو نجاحًا هو فى حقيقته جرس إنذار يهدد الشركة الأعرق فى قطاع البترول المصرى بالتفكيك والتلاشى، تحت شعار عريض اسمه تسعير الخام لصالح هيئة البترول بأسعار رمزية لا تتجاوز 14% من تكلفة الإنتاج.

نعم يتم تسعير حوالى  68% من انتاج الشركة العامة من الزيت الخام بما لا يتجاوز 155 جنيه لكل برميل وبنسبة 14% من تكلفة إنتاجه. وحتى تتخلص الهيئة من مسؤوليتها تجاه الشركة العامة تتولى التفكير فى منح عدد من حقولها لصالح مستثمرين بزعم  "جذب الاستثمارات".. بينما الحقيقة أن الهدف هو تفكيك الشركة الوطنية الوحيدة لتسقط منظومة إنتاج البترول عبر شركة قومية يتجاوز عمرها الستين عاما.

هنا ومن خلال الارقام الرسمية نتحدث.. لنكتشف من خلال الميزانية العمومية للشركة أن إجمالى إلايرادات حوالى 41.7 مليار جنيه بينما بلغت مصروفاتها حوالى 41 مليار جنيه وأن صافى الأرباح 685 مليون جنيه ، أى أن نسبة صافى الأرباح إلى الإيرادات 4.66%.

وتفاوت الارقام لابد من أن يضع جميع المتخصصين وغير المتخصصين أيضا فى دهشة ولكنها ستزول عندما نكشف عن حقيقة  الارقام التى تحصل بها الهيئة على برميل الزيت التى تنتجه الشركة العامة.

إنتاج يتراجع 

الأرقام الرسمية تكشف أن إنتاج الشركة من الزيت الخام خلال العام بلغ 21 مليونًا و590 ألف برميل، بنسبة تراجع 11% عن العام السابق.

أما إنتاج الغاز الطبيعى فقد سجل 24 مليارًا 574 مليون قدم مكعب، متراجعًا بنسبة 16% عن العام السابق ، حتى إنتاج المتكثفات لم يتجاوز 520 ألف برميل.

هذه المؤشرات لا تترك مجالًا للحديث عن إنجاز حقيقى،

حيث أن الشركة تخسر جزءًا معتبرًا من إنتاجها مقارنة بالمستهدف وأرقام انتاجها فى العام السابق، وبالتالى  لا يمكن أن تُوصف أرباحها الورقية بأنها نتيجة لتحسن الأداء.

السؤال الذى يطرح نفسه: ما أسباب التراجع؟

وإن كانت الشركة العامة مملوكة للهيئة وبالتالى كل انتاجها يؤول اليها من باب الواجب .. لكن بالتأكيد لها على الهيئة حق الكفالة وتغطية إحتياجاتها.. فهل تقوم الهيئة بدورها للحفاظ على هذا الكيان؟ 

أم أن الأمر يعود إلى غياب استجابة الهيئة العامة للبترول وتدبير الاستثمارات اللازمة لتنمية حقول العامة بزعم عدم وجود أرصدة للشركة لدى الهيئة؟

وهل جرى تقييم أرصدة الشركة على أساس 155 جنيهًا لبرميل الزيت لنسبة تصل الى ( 68% من الإنتاج) بينما 32% فقط من الإنتاج يُسعَّر بالدولار (58 دولارًا للبرميل) لكنه يُسدد بالعملة المحلية؟

هل يتم فرض قيادات على الشركة العامة لا يحققون أهدافها؟

هل يتم التخلص من قيادات الشركة التى تحقق نجاحات وتضيف أرقام للإنتاج؟

تكلفة الحقيقية إنتاج البرميل 

البيانات الواردة فى نتائج اعمال الشركة تكشف أن تكلفة إنتاج البرميل تصل لأكثر من 1106 جنيه، أى ما يقرب من 22 دولارًا.

فى المقابل، تُسلِّم الشركة 68% من إنتاجها إلى الهيئة العامة للبترول بسعر لا يتجاوز 155 جنيهًا للبرميل، أى أقل بكثير من التكلفة الفعلية.

وهذا يعنى ببساطة أن الشركة تخسر مع كل برميل يُسحب محليًا بهذا السعر، ولا تستطيع تغطية نفقاتها التشغيلية من العائد المحلى.

 ازدواجية تسعير البرميل

البراميل المخصصة للتصدير (32% من الإنتاج) تُسعَّر بقيمة 58 دولارًا للبرميل، أى نحو 2540 جنيهًا بعد التحويل للعملة المحلية ، أما البراميل المسلَّمة للهيئة (68%) فتُسعَّر 155 جنيهًا فقط ، والنتيجة أن دفاتر الشركة تُظهر وكأن كل الإنتاج قُيِّم بالسعر العالمى، بينما الحقيقة أن الجزء الأكبر يُباع بخسارة فادحة.

بحسب البيانات، أنتجت الشركة حوالى 21 مليون برميل زيت خام، لكنها سجلت مبيعات فعلية تقتصر على 14 مليونًا 795 ألف برميل فقط ، الفارق، وهو 6 ملايين 205 آلاف برميل، يُفترض أنه مخصص للتصدير، لكنه يُدرج فى الميزانية كمبيعات تقديرية بسعر 58 دولار للبرميل .


"الإنجاز" المزعوم.. ورقة تستر الخسائر

إذا جمعنا هذه الحقائق سنجدنا أمام تراجع فى إنتاج الزيت والغاز ، وأن تكلفة إنتاج البرميل أعلى من سعر البيع المحلى ، إذن، صافى الربح المعلن ( 685 مليون جنيه) ليس سوى "إنجاز ورقى" يُخفى وراءه واقعًا مريرًا ، فالشركة تنزف خسائر تشغيلية ولا تملك القدرة على تمويل استثمارات جديدة فى البحث والاستكشاف.

من المستفيد؟

الأخطر أن هذه السياسة المالية المجحفة تمهد لسيناريو معروف: طرح حقول الشركة العامة أمام مستثمرين، كما حدث مع بعض الحقول التى انتقلت لشركات مثل "أديس" والتى تضاعف إنتاجها دون انفاق أى استثمارات لينتقل 65% من الزيادة فى الإنتاج إلى المستثمر الجديد بدلا من أن تضاف إلى أرقام إنتاج هيئة البترول.

بهذه الطريقة، تتحمل الشركة الوطنية تكاليف التشغيل والخسائر، بينما يحصد المستثمرون لاحقًا ثمار زيادة الإنتاج مقابل تكاليف رمزية.

الميزانية المعلنة ليست شهادة نجاح للشركة العامة للبترول، بل وثيقة إدانة لسياسات مالية ظالمة جعلت الشركة تخسر فى كل برميل محلى وتربح فقط من تغير سعر الصرف.

وما يُقدَّم للرأى العام على أنه إنجاز فى الأرباح، ما هو إلا غطاء يُخفى حقيقة أن الشركة الأقدم فى قطاع البترول المصرى تتعرض لاستنزاف منظم يهدد وجودها


للأرقام وللحديث إن شاء الله بقية في مقالات لاحقة